إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه لم يوجد أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دخل في بدعة ولا خالف السنة ولا جماعة المسلمين،ولا خرج على أئمة الدين بل الصحابة كلهم عدول؛ وذلك لأنهم تلقوا الوحي من النبي مباشرة فوصل الإيمان إلى قلوبهم، فلم يكن إيمانهم عن تقليد بل عن فقه واتباع. تفكروا في آيات الله وكيف بسط الله عز وجل الأرض، وجعل فيها الجبال والوهاد والأودية، والمنخفضات والمرتفعات والرمال والأبطحة، والمعادن التي في جوفها والمياه، وما شابه ذلك.فلو أن الإنسان أخذ يتدبر في هذه المخلوقات وأخذ يكرر ذلك لحفظ وقته من الضياع، وازداد يقينا وقوي إيمانه، ولم تتطرق إلى عقله الشكوك والتخيلات الشيطانية. الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه لا بأس أن يكتب المسلم اسمه في طرة المصحف (جانبه) مخافة اشتباه مصحفه بغيره، فقد لا يناسبه إلا مصحفه المخصص له، ولا بأس أن يكتب بعض الفوائد على الهوامش كتفسير كلمة أو سبب نزول أو ما أشبه ذلك.
فضل الصحابة وذم من عاداهم
9046 مشاهدة
الذين يبغضون الصحابة هم في ضلال

أما ما يتعلق بأحوال هؤلاء الذين يبغضون الصحابة وأعمالهم، فهم وأعمالهم والعياذ بالله في ضلال نبرأ إلى الله منهم ومن عقائدهم ومن أعمالهم السيئة، ونتمسك بما نحن عليه، ونسأل الله أن يحيينا على محبة الخير وأهله، وأن يميتنا وإخواننا المسلمين على الإسلام والتمسك بالسنة.
وبعد ذلك نقول إن صحابة النبي -صلى الله عليه وسلم- هم الذين اجتمعوا به بعد إسلامهم، وأدركوا حياته، ورأوه وهم مؤمنون مصدقون به، وقد اشتهر أنهم جاهدوا معه، وأنفقوا أموالهم في سبيل الله، ونصرة لرسوله، وقد مدحهم الله تعالى في القرآن الكريم، كقوله تعالى: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا وهذا الوصف يعم جميع المهاجرين الذين ذكرهم الله تعالى بقوله: لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ فإنهم تركوا بلادهم وعشائرهم وأموالهم، حبا لله ورسوله -صلى الله عليه وسلم- وتصديقًا بالرسالة، مع ما لقوه قبل الهجرة من الأذى والعذاب في الله تعالى.
ثم تكبدوا الصعوبات في سفر الهجرة، وركبوا الأخطار، ثم إن العرب جميعًا رمتهم بقوس العداوة، وقاطعتهم، فتعرضوا لحرب جميع البشر من العرب وغيرهم، ولا شك أن الحامل لهم قوة الإيمان، والجزم بصحة ما هم عليه، والثقة بنصر الله تعالى الذي ذكره في قوله تعالى: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا وقد أخبرهم قبل ذلك بأنهم سوف يبتلون ويختبرون، فقال تعالى: لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا ولهذا لما تسلط عليهم الأحزاب، وضيقوا عليهم، ثبتوا وقالوا: هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا .

وقد أخبر الله تعالى بأنه قد رضي عنهم كما في قوله تعالى: وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ومن رضي الله عنه فقد غفر له ورضي عمله فلا يسخط بعد ذلك عليهم، بل يوفقهم ويحميهم، ويتوفاهم على الإسلام.
ولقد ورد في السنة ما يدل على فضلهم على من بعدهم، كقوله صلى الله عليه وسلم: خير الناس قرني ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم الحديث، ويريد بالقرن: أهله، ففضل أصحابه على من بعدهم، وكذا نهي عن سبهم بقوله: لا تسبوا أحدًا من أصحابي، فلو أن أحدكم أنفق مثل أُحد ذهبًا ما بلغ مُدّ أحدهم ولا نصيفه وروى مسلم في حديث أبي بردة عن أبيه قال: صلينا المغرب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قلنا: لو جلسنا حتى نصلي معه العشاء! قال فجلسنا. فخرج علينا. فقال (مازلتم ههنا؟)، قلنا: يا رسول الله! صلينا معك المغرب. ثم قلنا: نجلس حتى نصلي معك العشاء. قال: (أحسنتم أو أصبتم)، قال فرفع رأسه إلى السماء. وكان كثيرًا ما يرفع رأسه إلى السماء.فقال: (النجوم أمنةٌ للسماء، فإذا ذهبت النجوم أتى السماء ما تُوعَدُ، وأنا أمنةٌ لأصحابي فإذا ذهبت أتى أصحابي ما يوعدون، وأصحابي أمنةٌ لأمتي، فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون أي: من الفتن والخلاف وكثرة البدع.